سورة يس - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


قوله تعالى: {اليومَ نَخْتِمُ على أفواهم} وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء: {يُخْتَمُ} بياء مضمومة وفتح التاء {وتُكَلِّمُنا} قرأ ابن مسعود: {ولِتُكَلِمنَا} بزيادة لام مكسورة وفتح الميم وواو قبل اللام وقرأ أُبيُّ بن كعب وابن أبي عبلة: {لِتُكَلِّمَنا} بلام مكسورة من غير واو قبلها وبنصب الميم؛ وقرأوا جميعا: {ولِتَشْهَدَ أرجُلُهم} بلام مكسورة وبنصب الدال.
ومعنى {نَخْتِمُ}: نَطبع عليها، وقيل: منعُها من الكلام هو الختم عليها، وفي سبب ذلك أربعة أقوال:
أحدها: أنهم لمّا قالوا {واللهِ ربِّنا ما كُنَّا مشرِكينَ} [الأنعام: 23] خَتَم اللهُ على أفواهم ونطقت جوارحهُم، قاله أبو موسى الأشعري.
والثاني: ليَعلموا أن أعضاءهم التي كانت أعواناً لهم على المعاصي صارت شهوداً عليهم.
والثالث: ليعرفهم أهل الموقف، فيتميَّزوا منهم بذلك.
والرابع: لأن إِقرار الجوارح أبلغ في الإِقرار من نُطْق اللسان، ذكرهنّ الماوردي.
فإن قيل: ما الحكمة في تسمية نُطق اليد كلاماً ونطقِ الرِّجْل شهادةً؟.
فالجواب: أن اليد كانت مباشِرة والرِّجل حاضرة، وقول الحاضر على غيره شهادة بما رأى وقول الفاعل على نفسه إقرار بما فعل.
قوله تعالى: {ولو نشاءُ لطَمَسْنا على أعيُنْهم} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ولو نشاء لأذهبْنا أعيُنَهم حتى لا يبدوَ لها شَقٌّ ولا جَفْن. والمطموس: الذي لا يكون بين جفنيه شَقّ، {فاستَبَقوا الصِّراط} أي: فتبادروا إلى الطريق {فأنّى يًبْصِرونَ} أي: فكيف يُبْصِرون وقد أعمينا أعيُنَهم؟! وقرأ أبو بكر الصِّدِّيق، وعروة بن الزبير، وأبو رجاء: {فاستَبِقوا} بكسر الباء {فأنَّى تًُبْصِرونَ} بالتاء وهذا تهديد لأهل مكة، وهو قول الأكثرين.
والثاني: ولو نشاء لأضلَلْناهم وأعميناهم عن الهُدى، فأنّى يُبصِرون الحقَّ.؟! رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: ولو نشاء لفقأْنا أعيُنَ ضلالَتهم وأعميناهم عن غَيِّهم وحوَّلْنا أبصارهم من الضلالة إلى الهُدى فأبصروا رشدهم، فأنّى يُبصِرونَ ولم أفعل ذلك، بهم؟! روي عن جماعة منهم مقاتل.
قوله تعالى: {ولو نشاء لَمَسَخْناهم على مكانتهم} وروى أبو بكر عن عاصم: {على مكاناتهم}؛ وقد سبق بيان هذا [البقرة: 65].
وفي المراد بقوله: {لمَسَخْناهم} أربعة أقوال.
أحدها: لأهلكْناهم، قاله ابن عباس.
والثاني: لأقعدناهم على أرجلهم، قاله الحسن وقتادة.
والثالث: لجعلْناهم حجارة، قاله أبو صالح، ومقاتل.
والرابع: لجعلْناهم قردةً وخنازيرَ لا أرواح فيها، قاله ابن السائب.
وفي قوله: {فما استطاعوا مُضِيّاً ولا يَرْجِعونَ} ثلاثة أقوال.
أحدها: فما استطاعوا أن يتقدَّموا ولا أن يتأخروا، قاله قتادة.
والثاني: فما استطاعوا مُضِيّاً عن العذاب، ولا رجوعاً إِلى الخِلقة الأُولى بعد المسخ، قاله الضحاك.
والثالث: مُضِيّاً من الدنيا ولا رجوعاً إليها، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
قوله تعالى: {ومَنْ نُعَمِّرْه ننكِّسْه في الخَلْق} قرأ حمزة: {نُنَكِّسْه} مشددة مع ضم النون الأولى وفتح الثانية؛ والباقون: بفتح النون الأولى وتسكين الثانية من غير تشديد؛ وعن عاصم كالقراءَتين، ومعنى الكلام: من نُطِلْ عمره ننكِّس خَلْقَه، فنجعل مكان القوَّة الضَّعف، وبدل الشباب الهرم، فنردُّه إِلى أرذل العمر. {أفلا يَعْقِلونَ} قرأ نافع، وأبو عمرو: {أفلا تعقلون} بالتاء، والباقون بالياء. والمعنى: أفلا يعقلون أنَّ مَنْ فعل هذا قادر على البعث؟!.


قوله تعالى: {وما علَّمْناه الشِّعر} قال المفسرون: إِن كفار مكة قالوا: إِنَّ هذا القرآن شِعْر وإِن محمداً شاعر، فقال الله تعالى: {وما علَّمْناه الشِّعْر} {وما ينبغي له} أي: ما يتسهَّل له ذلك. قال المفسرون: ما كان يَتَّزن له بيتُ شِعر، حتى إِنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه تمثَّل يوماً فقال:
كَفَى بالإِسلامِ والشَّيْبِ لِلْمَرْءِ ناهِياً ***
فقال أبو بكر: يا رسول الله، إِنما قال الشاعر:
كَفَى الشَّيْبُ والإِسلامُ لِلْمَرْءِ نَاهياً ***
أَشهدُ أنَّكَ رسولَ الله، ما علَّمكَ اللهُ الشِّعر، وما ينبغي لك. ودعا يوماً بعباس بن مرداس فقال: «أنت القائل:
أَتَجْعَلُ نَهْبِي ونَهْبَ العبي *** د بين الأَقْرَعِ وعُيَيْنَة
فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي، لم يقل كذلك، فأنشده أبو بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَضُرُّكَ بأيِّهما بدأتَ، فقال أبو بكر: والله ما أنت بشاعر، ولا ينبغي لك الشِّعر». «وتمثَّل يوماً، فقال:
ويَأتِكَ مَنْ لم تُزَوِّدْهُ بالأَخْبارِ ***
فقال أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله، فقال: إِنِّي لستُ بشاعر، ولا ينبغي لي» وإِنما مُنِعَ من قول الشِّعر، لئلا تدخُل الشُّبهة على قوم فيما أتى به من القرآن فيقولون: قوي على ذلك بما في طَبْعه من الفطنة للشِّعر.
قوله تعالى: {إِنْ هو} يعني القرآن {إِلاّ ذِكْرٌ} إِلا موعظة {وقرآنٌ مُبينٌ} فيه الفرائض والسُّنن والأحكام.
قوله تعالى: {لِيُنْذِرَ} قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {لِيُنْذِرَ} بالياء، يعنون القرآن. وقرأ نافع، وابن عامر، ويعقوب: {لِتُنْذِرَ} بالتاء، يعنون النبيَّ صلى الله عليه وسلم، أي: لِتُنْذَرَ يا محمَّدُ بما في القرآن. وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن السمقيع: {ليُنْذَرَ} ياء مرفوعة وفتح الذال والراء جميعاً.
قوله تعالى: {مَنْ كان حَيّاً} وفيه أربعة أقوال.
أحدها: حيّ القلب حيّ البصر، قال قتادة.
والثاني: من كان عاقلاً، قاله الضحاك. قال الزجاج: من كان يَعْقِل ما يخاطَب به، فإن الكافر كالميت في ترك النذير.
والثالث: مهتدياً، قاله السدي وقال مقاتل: من كان مهتدياً في عِلْم الله.
والرابع: من كان مؤمناً، قال يحيى بن سلام؛ وهذا على المعنى الذي قد سبق في قوله: {إِنَّما تُنْذِرُ الذين يَخْشَوْنَ ربَّهم} [فاطر: 18]، ويجوز أن يريد: إِنما يَنفع إِنذارُك مَنْ كان مؤمِناً في علم الله.
قوله تعالى: {ويحقَّ القول على الكافرين} معناه: يجب. وفي المراد بالقول قولان. أحدهما: أنه العذاب. والثاني: الحُجَّة.


ثم ذكَّرهم قُدرته فقال: {أوَلَمْ يَرَوْا أنَّا خَلَقْنا لهم ممّا عَمِلَتْ أيدينا أَنعاماً} قال ابن قتيبة: يجوز أن يكون المعنى: ممّا عَمِلْناه بقوَّتنا وقدرتنا، وفي اليد القُدرةُ والقُوَّةُ على العمل، فتُستعارُ اليدُ فتُوضَع موضعها هذا مَجازٌ للعرب يحتملُه هذا الحرف، والله أعلم بما أراد. وقال غيره: ذِكْر الأيدي ها هنا يدلُّ على انفراده بما خَلَق، والمعنى: لم يشاركْنا أحد في إِنشائنا؛ والواحدُ مِنّا إِذا قال: عملتُ هذا بيدي، دلَّ ذلك على انفراده بعمله. وقال أبو سليمان الدمشقي: معنى الآية: ممّا أَوجدْناه بقُدرتنا وقوَّتنا؛ وهذا إِجماعٌ أنه لم يُرد هاهنا إلا ما ذكرْنا.
قوله تعالى: {فهُم لها مالكونَ} فيه قولان:
أحدهما: ضابطون، قاله قتادة، ومقاتل. قال الزجاج: ومثله في الشِّعر:
أَصبحتُ لا أَحملُ السِّلاحَ ولا *** أملكُ رأسَ البعيرِ إِنْ نَفَرا
أي: لا أَضبِط رأس البعير.
والثاني: قادرون عليها بالتسخير لهم، قاله ابن السائب.
قوله تعالى: {وذلَّلْناها لهم} أي: سخَّرْناها، فهي ذليلة لهم {فمنها رَكُوبُهم} قال ابن قتيبة: الرَّكُوب: ما يَرْكَبون، والحَلوب: ما يَحْلُبُون. قال الفراء: ولو قرأ قارئ: {فمنها رُكُوبُهم}، كان وجهاً، كما تقول: منها أكلهم وشُربهم ورُكوبهم. وقد قرأ بضم الراء الحسن، وأبو العالية، والأعمش، وابن يعمر في آخرين. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وعائشة: {رَكُوبَتُهم} بفتح الراء والباء وزيادة تاء مرفوعة. قال المفسرون: يركبون من الأنعام الإِبل، ويأكلون الغنم، {ولهم فيها منَافعُ} من الأصواف والأوبار والأشعار والنَّسْل {ومَشاربُ} من ألبانها، {أَفَلا يَشْكُرونَ} ربَّ هذه النِّعم فيوحِّدونه؟!.
ثم ذكر جهلهم فقال: {واتَّخَذوا مِنْ دون الله آلهةً لعلَّهم يُنْصَرون} أي: لتمنَعهم من عذاب الله؛ ثم أخبر أن ذلك لا يكون بقوله: {لا يستطيعون نَصْرَهم} أي: لا تَقْدِرُ الأصنام على منعهم من أَمْرٍ أراده اللهُ بهم {وهُمْ} يعني الكفار {لَهُمْ} يعني الأصنام {جُنْدٌ مُحْضَرونَ} وفيه أربعة أقوال:
أحدها: جُنْدٌ في الدنيا مُحْضَرونَ في النار، قاله الحسن.
والثاني: مُحْضَرونَ عند الحساب، قاله مجاهد.
والثالث: المشركون جُنْدٌ للأصنام، يَغضبون لها في الدنيا، وهي لا تسوق إِليهم خيراً ولا تدفع عنهم شرّاً قاله قتادة. وقال مقاتل: الكفار يَغضبون للآلهة ويَحْضُرونها في الدنيا. وقال الزجاج: هم للأصنام ينتصرون، وهي لا تستطيع نصرهم.
والرابع: هم جُنْدٌ مُحْضَرون عند الأصنام يعبدونها، قاله ابن السائب.
قوله تعالى: {فلا يَحْزُنْكَ قولهُم} يعني قول كفار مكة في تكذيبك {إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ} في ضمائرهم من تكذيبك {وما يُعلِنونَ} بألسنتهم من ذلك؛ والمعنى إِنا نُثيبك ونجازيهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5